أبيدوس

2019/04/14 05:40 ص

كأنه مركز القرية التي يحتضنها الجبل، يقع معبد أبيدوس على بعد 60 كيلو متر من محافظة سوهاج، في إحدى قرى مركز البلينا، هذه القرية التي استعارت الاسم نفسه.

يحتوي معبد أبيدوس، الذي اشتهر بأسطورة إيزيس وأوزوريس، على مقتنيات ملوك حكموا مصر في عهد الدولة الحديثة، وهو العصر المعروف بالقوة.

أبيدوس قديمًا

كانت أبيدوس عاصمة الإقليم  الثامن من أقاليم مصر العليا، الذي وصل طبقا للتقسيم الجغرافي إلى 42 إقليمًا، وكان يوازي مدينة هليوبوليس في الشمال.

وأبيدوس هو الاسم الذي نطقه اليونان، والذي حرفوه من “أبجو”، وكانت مركزًا لعبادة أوزوريس، وتـوجـد فـي هـذه المنطقة عـدة مبـان أثـرية، منها معبـد الملك سيتـي الأول، ومعبـد رمسيس الثاني، والأوزيريو.

حتى القرن الماضي كانت أبيدوس معروفة بـ”العرابة المدفونة” فقد كانت المنطقة الأثرية مدفونة في الرمال، ربما كان ذلك سببًا لحفظها.

معبد سيتي الأول

معبد أبيدوس هو نفسه معبد الملك سيتي الأول، وابنه الملك رمسيس الثاني، الذي أكمل إنشاءه ونقوشه، طبقا لنص التكريس الموجود في واجهة المعبد.

وطوال فترة طويلة أطلق على المعبد “بيرعنج” أي بيت العائلة، ما يدل على أنه تخطى كونه دورًا للعبادة وأصبح مؤسسة اقتصادية واجتماعية،  فقد استغرق بناءه نحو 20 عامًا، فكان مصدر رزق لكثير من المهندسين والفنيين والحفريين والعمال.

من الناحية المعمارية كان المعبد في البداية عبارة عن كوخ بسيط من كتلتين من الحجر، يتوسطهما رمز المعبود، لكن في الدولة الحديثة تطور المعبد، وبدأ بمدخل واسع ينتهي بسلالم حجريه ثم فناء أول وثاني، ثم صالات المعبد.

يقول أشرف عكاشة، مدير مفتشي أثار أبيدوس، إن الفرق بين الفناء والصالة هو أن الأول يكون مكشوفًا أما الأخير فهو مغطى.

يتابع عكاشة أن المعبد كان يحتوي علي مرسى موصول بقناة على النيل لكنه ضاع، بالإضافة إلى 7 مداخل.

وخلال عصر الملك رمسيس الثاني تم سد 3 مداخل، واستغل الجزء الخارجي لهذه المداخل المسدودة لنقش نص التكريس، وعندما اكتشفته هيئة الآثار أغلقت 3 أبواب للحماية وفتحت بوابة واحدة كمدخل للمعبد.

ويضم المعبد 3 صالات هم:

الصالة الأولى

تتكون من 24 عمودًا على صفين، كل صف 12عمودًا بين كل عمود وأخر مدخل المقصورة، أما النقوش علي جدران الصالة جاءت على 3 سجلات.

السجل الأسفل يمثل حابي “معبود النيل”، الذي يضم الذكر والأنثى في صورته، ليمثل القدرة الكامنة على إنجاب النفس بالنفس، في دلالة على الاستمرارية.

أما السجل الثاني فهو تجسيد مناظر لها معني ديني واقتصادي وفن، من خلال توضيح علاقة الملك بالآلهة المختلفة وهو نوع من العبادات الروتينية.

أما السجل العلوي فيه نوع من أنواع الطقوس الدينية يصعب فهمها.

يتابع عكاشة نلاحظ أن المعبد استخدم نوعين من الفن والنقوش، لأن المعبد أنشئ في عصرين، فالصالة الأولى مثلًا والتي أنشئت في عهد الملك رمسيس، كانت من النحت البارز وهو فن الفراغات، أما في الصالة الثانية فقد استخدم الفن الغائر.

الصالة الثانية

تحتوي الصالة الثانية على 7 مقصورات، كل مقصوة لألهة معين، وما يميزهم هو أن المعبد يحتوي على مقصورة لصاحب المعبد نفسه.

و”المقصورة” هي عبارة عن حجرة لها باب خشبي، من خشب الأرز أو الصنوبر، يحتوي على  نقوش مُذهّبة، لكنه غير موجودة الآن، لعوامل الزمن.

يواجه باب وهمي من الحجر له وظيفة دينية تكمن في دخول وخروج روح المعبود وهو المعبود صاحب المقصورة، مطبقا للنظام المصري القديم وهو على مركب على شكل “ناقوس”

المقصورة الثالثة

جميع المقصورات صُممت بنفس النظام، لكن تتميز هذه المقصورة بنقوش مختلفةعلى الجدران، ومن خلالها نتجه إلى معبد ملحق بمعبد سيتي الأول يحتوي على أهم وأندر صور المعبودات، ورسم يجسد أسطورة صراع إيزيس وأوزوريس.

أسطورة إيزيس وأوزوريس

تحكي الأسطورة عن ثلاثة هم إيزيس وأوزوريس وست، والأخير حدث بينه وبين أخيه أوزوريس صراع على الحكم، وفي يوم قام ست بدعوة أخيه أوزوريس على حفل وأسكره ووضعه في تابوت وألقاه في اليم، لكن أوزوريس لم يمت فقام ست وتمزيقه إلى 14 جزءًا.

كانت إيزيس تهتم بالسحر فدفعها عشقها لأوزريس إلى أن تستخدم السحر في تجميع أجزئه، ومن ضمنها رأسه التي وجدت في أبيدوس، ثم وضعتهم بالنظام كأنه شخص حقيقي ونامت فوقه جسده وبذلك حُملت في ابنها حورس.

كبر حورس إلى أن أنتقم من عمه ست، وبذلك أصبح المدافع عن العرش والمنتقم لأبيه، ليكون بذلك رمز القوة.

قائمة الملوك

ضمن ما يحتويه المعبد ممر طويل يعتبر من أهم مصادر التاريخ المصري، مرسوم على جدرانه الملك سيتي الأول، يقدم الجميل والعرفان لأسلافه وأجداده، وتعتبر أحد أنواع الدعاية السياسية، وصمم على الجدران “خرطوش” ضم 76 اسم ملك بدءًا من الملك مينا موحد القطرين وانتهاءً بالملك رع.

يفترض أن هذه الأسماء هي أسماء جميع الملوك الذين حكموا مصر، لكن بدراسة التاريخ المصري، نجد أن القائمة أغفلت أسماء ملوك كبار، مثل حتشبسوت وتوت عنخ آمون وإخناتون.

الممر الغربي

الممر الغربي ينتهي إلى سلم حجري، يودي إلى خارج المعبد، لنجد مساحة من الصحراء كانت تضم مقابر ملوك مصر، ويعتبر أول قبر رمزي ببناء فريد من نوعه، وبحسب عكاشة فلا يوجد له مثيل في أي مكان أثري في العالم.

معبد الأوزريون

يقول عكاشة إنه أول وأوحد بناء مائي أنشئ في العالم، وهو عبارة عن قناة من المياه كانت في ترتفع في وقت الفيضان، ويتوسطها تابوت، وبها حبوب موضوعة في التربة تمثل الموت، وعندما تأتي المياه تنبت الحبوب كرمز لإعادة للحياة.