واحه سيوه

2019/04/14 05:36 ص

على بعد 830 كم من العاصمة المصرية القاهرة، وفي قلب صحراء مصر الغربية، تقف واحة "سيوة"، الغنية بالثروات الطبيعية، والآثار، والعادات التي ينفرد بها سكان الواحة عن سواهم.

وتبعد الواحة عن ساحل البحر المتوسط بنحو 300 كم إلى الجنوب الغربي من مدينة مرسى مطروح، وهي تنخفض عن مستوى سطح البحر بـ 18 متراً، وتتبع محافظة مطروح إدارياً، ويسكنها قرابة 30 ألف نسمة.

 

الواحة كانت، وما زالت، أقرب لمجتمع منعزل ينكفئ على تقاليد وعادات خاصة، غير أن الانفتاح الذي شهدته في العقود الأخيرة بسبب السياحة أحدث تغيّرات في الأنماط السلوكية بين الأجيال الجديدة.

وتنتشر ينابيع المياه الجوفية بالواحة، ومزارع التمور والزيتون، والملاحات الممتدة بطول شاطئ البحر، كما أن أماكن كمتحف سيوة وحمَّام كليوباترا، الذي سبحت فيه الملكة المصرية قديماً، وبقايا "قصر شالي"، ومعبد "الوحي"، تشي بأن التاريخ قد مَرَّ من هذا المكان، وترك أثراً.

وتعتبر سيوة البوابة الشرقية لبلاد الأمازيغ، ورغم قسوة الظروف، حافظ سكان الواحة على تقاليدهم وعاداتهم ولغتهم الخاصة (تاسيويت) التي هي إحدى لهجات الأمازيغ.

ويمكن القول إن سكان سيوة يتحدثون بلغة تستمد نسبها من الأمازيغية، ونطقها من اللهجة المصرية، فأهل سيوة هم أمازيغ مصر الذين أبقوا على عاداتهم وتقاليدهم ولغتهم الموروثة منذ آلاف السنين.

- معالم سيوة

"شالي" هي أكبر مدن الواحة، وفي وسطها يجد الزائر "قصر شالي"، ومنه تأخذك الممرات الرملية لـ "معبد الوحي" الذي زاره الإسكندر الأكبر ذات يوم طالباً مشورة الكاهن.

وتعد قلعة شالي حصن الواحة الدائم، وتبدو بقايا الدمار الذي لحق بالقلعة في القرن الثالث عشر جلية في وسط الواحة، وقد بُنيت القلعة من مادة تسمى "الكرشف"؛ وهي أحجار ملحية من البحيرات المالحة والطمي، وتتعرض القلعة للمزيد من التحلل بعد كل هطول للأمطار، وتعج ممرات وشوارع الواحة الصغيرة ببائعي المصنوعات اليدوية والتمور والزيتون.

ومن أعلى القلعة يتابع الزوار كل ما وهبته الطبيعة للواحة من جمال وسحر، تحيط به الرمال من كل جانب.

ويحرص زوار الواحة على القيام برحلات السفاري في بحر الرمال العظيم، خاصة في الفترة ما بين أكتوبر/تشرين الأول وأبريل/نيسان، حيث تكون درجة حرارة الواحة في أفضل حالاتها.

وعلى مسافة 4 كم شرقي سيوة، يقع معبد آمون، الذي يعود تاريخه إلى الأسرة الحاكمة الثلاثين، كما أن بها جزيرة "فاتناس" وهي واحدة من مواقع السباحة المفضلة في سيوة، وهي تعرف أيضاً باسم "جزيرة الخيال".

 

وتقع الجزيرة على مسافة 6 كم من مدينة سيوة، على بحيرة بركة سيوة المالحة، التي تحيط بها أشجار النخيل والمناظر الطبيعية.

سيوة1

ويعتبر "حمَّام كليوباترا" أكثر مزارات الواحة شهرة، وهو حمام من الحجر يتم ملؤه من مياه الينابيع الساخنة الطبيعية، ويقال إنّ الملكة المصرية قد سبحت فيه بنفسها أثناء زيارتها لسيوة.

وتتميز سيوة بأفضل الحرف التقليدية على مستوى واحات الصحراء الغربية، ولا سيما الأواني الفخارية المزخرفة المصنوعة يدوياً، وكذلك فساتين الأفراح البربرية التقليدية المطرزة.

وفي "متحف سيوة" الموجود بمنزل سيوي تقليدي، توجد بعض المجوهرات الفضية الأثرية والآلات الموسيقية، وأزياء الأفراح، والسلال والأواني الفخارية.

وبالإضافة إلى ما سبق تتميز الواحة بالتزلج على الرمال وجبل الموتى، كما أن بها مراكز للاستشفاء الطبيعي، وفنادق فاخرة بنيت بشكل بسيط ينسجم مع البيئة الطبيعية والثقافية للواحة.

ورغم هذه الثروات فإن سيوة ليست من تلك الأماكن التي يزورها السياح المصريون والأجانب كثيراً؛ نظرا لطول المسافة والوقت الذي يحتاج السائح لقطعه للوصول إليها.

الذهب الأبيض

وتحيط البحيرات الملحية، أو الملاحات، بالواحة على مساحة تصل إلى 55 ألف فدان، وهي بحيرات تنتج نوعية نادرة من الملح، يطلق عليه أبناء الواحة "الذهب الأبيض".

ويقدر إنتاج هذه البحيرات بنحو 60 مليون طن من الملح، تدر عائداً يصل إلى 50 مليار جنيه. ويعتبر استغلال الملح في سيوة نموذجاً مصغراً لأزمة إدارة الموارد الطبيعية في مصر، والفشل في إدارة منظومة ناجحة للاستثمار.

ورغم تقدم ما يقرب من 100 شركة بطلبات، سواء للتصنيع أو تصدير الملح، فإن الحكومة تبحث عن صيغة عقد مع المستثمرين منذ ما يقرب من 4 سنوات، وهو ما دفع عدداً كبيراً من تلك الشركات إلى البحث عن مشروعات أخرى بعيداً عن بيروقراطية الحكومة.

ويتميز ملح سيوة بأعلى نسبة من التركيز في العالم، وتتهافت عليه الدول الصناعية والأوروبية ليس فقط لقدرته العالية على إذابة الثلوج من الطرقات والمطارات، ولكن لأنه يحتوى على 1400 عنصر تدخل في صناعات عديدة، منها الصابون والحرير الصناعي وتكرير الزيوت والغزل والنسيج والكلور والصودا الكاوية والزجاج ومعجون الأسنان والمنظفات الصناعية وعمليات التبريد ووقود الصواريخ والبارود والطوب الحراري وفي معالجة الصرف الصحي وغيرها.

 

وهي ثروة هائلة تتعرض للتجريف والسرقة على نحو مستمر، غير أن هذه البحيرات تنتج الملح بشكل متجدد.

التداوي بالرمال

وعلى مسافة 3 كم جنوب واحة سيوة يقع جبل دكرور الذي يشتهر بالخصائص العلاجية لرماله الساخنة، كما يشتهر بكونه مصدراً هائلاً للصبغة الحمراء المستخدمة في الأواني الفخارية السيوية.

وإلى هذا الجبل يتوافد الناس من مختلف أرجاء مصر والعالم، خلال فصل الصيف لعمل حمامات الرمال الساخنة للتداوي من مرض الروماتيزم.

ويستغرق حمام الرمال قرابة 20 دقيقة، حيث يتم دفن الشخص حتى رقبته في الرمال الساخنة؛ ويتم تكرار هذه العملية لأي جزء من الجسد لفترات تراوح بين 3 و5 أيام.

سيوة8

وتتميز سيوة بالرمال البيضاء والصخور السوداء والحجر الجيري، وهي هبات طبيعية تمنح الواحة المنسية نمطاً فريداً من السحر.

"تتلي"، أي المرأة بالأمازيغية، هي كلمة يطلقها سكان الواحة على نسائهم اللواتي فرضت عليهن ظروف الطبيعة والعادات نوعاً من الحصار؛ فالمجتمع السيوي يميل للمحافظة ويفصل تماماً بين النساء والرجال، وإن كانت النساء تعكف على بيع التمور والمصنوعات اليدوية.

سيوة7

مشكلات

بالإضافة إلى مشكلة التصحر، تواجه الواحة مشكلة زيادة استهلاك المياه الجوفية من الخزان الرملي النوبي؛ بسبب زيادة النشاط الزراعي، واستصلاح الأراضي الذي جذب إليه مستثمرين من خارج الواحة بتشجيع من الحكومة.

وتعاني الواحة التي تعتبر المنتج الأول للمياه المعدنية في مصر (عبر خمس مصانع مياه بالواحة) نقصاً حاداً في مياه الشرب النظيفة، وبسبب زيادة استهلاك المياه، تعاني الواحة من تدهور نظام الصرف الزراعي، مما يؤدي إلى تملّح الأراضي، وهدر للمياه في شكل نمو مساحة بحيرة كبيرة من المياه العادمة التي لا تصلح للزراعة ولا الشرب.